عادة مايتبادر إلى أذهاننا ماهو المرض النفسي وهل هو مثله مثل أي مرض جسدي وهل يمكن معالجته ؟؟
حديثي هنــا سوف يكون عن ماهية المرض النفسي ، انواعه ، مسبباته ، وطرق علاجه ..
أولاً : تاريخ الطب النفسي..
منذ آلاف السنين كان ينظر إلى الأمراض العقلية وكأنها من صنع قوى خارقة أوجدتها , فأولئك المرضى كان ينظر إليهم
أحياناً أنهم أناس مغضوب عليهم من تلك القوى الخارقة، أو كان ينظر إليهم بوصفهم أناساً منبوذين، ولهذا فكثيراً ما كانوا
يقتلون تخلصاً منهم ومن الشياطين التي تلبسهم، أما المحظوظون منهم، ممن كانوا يكابدون حالات جنون أخف وطأة،
فكانوا يحاطون بالرعاية، ومن مظاهر تلك الرعاية أنهم كانت تخلع عليهم الأردية المزركشة، وتزين هاماتهم بأكاليل الغار.
غير أن المحاولات الأولى لمعالجة الأمراض العقلية على أسس علمية رصينة، قد تمت عندما بدأت العلوم الطبية تتقدم
بشكل سريع في بلاد الشرق وفي بلاد الإغريق.
وجد الطب الإغريقي القديم سنداً له إتكأ عليه في الفلسفة الطبيعية المنبثقة عن المدرسة الأيونية وبالأخص منها
مدرسة طاليس، وإنكسيمندر، وإلكسيمانس في مالطية.
ويتلخص موقف هذه المدرسة وقتذاك في أن أصل جميع الأشياء يقوم على أساس من مادة أولية هي قوام ما كان
في الطبيعة.
وفكرة أصحاب هذه المدرسة الطبيعية تأثر بها كل من جاء بعدهم من المفكرين والمهتمين بالطب، من أمثال الكيمايون.
ثم جاء أبقراط، فالتقط فكرة الكيمايون تلك، وطورها في القرن الخامس قبل الميلاد.
والأساس الفلسفي الذي اتكأت عليه آراء أبقراط في الطب النفسي، يرجع إلى تعليمات استمدها أبقراط من
ديمقريطس في فلسفته المادية التي انعكست مباشرة في تسمية أنماط الجسم وأمزجته الأربعة التي ارتبطت باسم
أبقراط. والأمزجة الأربعة التي سماها أبقراط :
1 ـ المزاج الدموي.
2 ـ المزاج البلغمي.
3 ـ المزاج الصفراوي.
4 ـ المزاج السوداوي.
وقام أبقراط بمحاولات حثيثة في سبيل الأمراض العقلية.
فلعلاج حالات الإدمان على الكحول مثلاً، أوصى باستخدام أسلوب العلاج بالتنفير: أي بإحداث حالة من التقزز عند
المريض ليبتعد عن الكحول وينفر منها، وذلك بإعطاء المدمن جرعات من مادة مرّة مقززة، أو عن طريق فصده وإسالة
دمه وهو في حالة سكره، ليرى دمه يسيل فيرتبط في ذهنه منظر دمه بما يتعاطاه من شراب مسكر، وبذلك يكره
المادة التي أدمنها. وكان يقترح علاجاً لبعض المرضى عقلياً ونفسياً بأن يغيروا أماكنهم. فتغيير المكان كما اقترح من
شأنه أن يغير من الذكريات المؤلمة، فينسى المريض آلامه وهمومه.
وفي الشرق فقط كان الطب حينذاك يخطو نحو مزيد من الإرتقاء، وذلك إبّان الحقبة الممتدة من القرن الثالث حتى القرن
الرابع عشر.
وإن كثيراً من العلماء الأوروبيين قد نجوا مما كان يهدد حياتهم في بلدانهم فلجأوا إلى بلدان أخرى في حوض البحر
المتوسط وبلاد فارس، وفي بعض المحميات العربية الأخرى. وهنا يجدر أن نذكر ابن سينا الذي عاش في القرن الحادي
عشر الميلادي. كان هذا الطبيب الألمعي، يشاطر أبقراط الرأي، بشأن الأمراض العقلية، وقام بمحاولات منتظمة
وناجحة في علاج الذين كانوا يعانون من أمراض عقلية. وأولى المستشفيات التي أنشئت لهذا الغرض قد فتحت في
القرن التاسع الميلادي، في كل من بغداد، والقدس ودمشق.
رافقت الإنطلاق الفكري في فرنسا خاصة، وفي أوروبا عامة، في القرن التاسع عشر انطلاقة منصفة تخص النظرة إلى
الذين يكابدون أمراضاً عقلية، نظرة إتسمت بالنزعة الإنسانية. ففي فرنسا مثلاً، تطورت الاتجاهات نحو المرض ونحو من
يعانون منه، تطوراً كبيراً، وذلك بفضل حملة جديدة حمل لواءها يومذاك الطبيب الفرنسي فيليب بينيل ثم من بعده
تلميذه أسكويرول.
وفي الثلاثينات من القرن التاسع عشر، طور الطبيب الإنجليزي كونللي فكرة: (لا قيود ولا احتجاز بعد اليوم)، وهو التقييد
والاحتجاز الذي كان يخضع له المرضى العقليون.
كانت حملة كونللي هذه مكملة لما كان قد قام به كل من بينيل واسكويرول. من قبل، فوصلت أصداء عمل كونللي هذه
إلى روسيا حيث تم تلقفها هناك بسرعة، وطبقها على نطاق واسع طبيب الأمراض العقلية آنذاك كورساكوف ثم سرعان
ما بلغت آراء كونللي تلك الولايات المتحدة، فأخذت بتطبيق علاج الأمراض النفسية ـ العصبية على أسس من الإتجاهات
الإنسانية اللازمة، وأهم دور في ذلك يرجع هناك إلى بي.روش b.rush 1813-1745 وهو أول طبيب نفسي في الولايات
المتحدة.
ولعل أكبر إسهام في ميدان الطب النفسي هو ما قام به الطبيب النفساني الألماني المرموق بونهايفر bonheffer
01948-1868 الذي أكد على العوامل الخارجية التي تبدو أعراضها على المريض فيستشفي منها ومما يكمن وراءها من
عوامل داخلية وإذا أهملت هذه الأعراض فإنها تتفاعل فيما بينها فتفضي إلى ما يضر بالصحة النفسية والجسمية.
ويزخر تاريخ الطب النفسي بعدد هائل من أعلام الطب النفسي، فالعلماء الذين نذروا أنفسهم للبحث فيه والعلاج في
ميدانه لا حصر لهم. فقد أسهموا أيما إسهام في هذا المجال وعلى مختلف الصعد في شتى الميادين العلمية. تضافرت
جهودهم في مضامير التشخيص الخاص بالأمراض العقلية وعلاجها، وفي أسباب الأمراض النفسية وطبيعتها، وفي
ميدان دراسة الصيدلة النفسية، ومشكلات الأوهام، والهلوسات، والخرف المبكر، والخرف المتأخر وفي السبل الوقائية
لدرء مخاطر الأمراض العقلية منها والجسمية. كل هذا الكم الهائل من العلم قد أرسى أسسه علماء أوقفوا حياتهم
على خدمة العلم من أجل إسعاد الإنسانية.
ثانيــاً : مفهوم المرض النفسي ..
يستلزم لتعريف المرض النفسي أن نُعرف بجانبه ماهي الصحه النفسيه
إذ يكون مايخالف الصحه النفسيه تعريفاً للمرض النفسي وفيما يلي نستعرض ذلك ..
اختلف العلماء في تعريف الصحة النفسية والمرض النفسي وهذه بعض التعريفات :
1- الصحة النفسية هي التوافق مع المجتمع وعدم الشذوذ عنه وعدم مخالفته ..
والمرض النفسي هو عدم التوافق مع المجتمع..
وحسب هذا التعريف يكون الانبياء والمصلحون فاقدي الصحة النفسية وهذا يخالف الواقع ..
2- الصحة النفسية هي قدرة الانسان على التطور ..
والمرض النفسي هو عدم التطور بما يتناسب مع مرحلة النمو
( مثال: حين يتمسك البالغ بسلوكيات الطفولة فإنه يعد مريضا نفسيا )
3- الصحة النفسية هي توافق احوال النفس الثلاث وهي حالة الابوه
( Parent ego state ) وحالة الطفولة ( Child ego state ) وحالة الرشد ( Adult ego state) على اعتبار ان الشخص
السليم نفسيا يعيش بهذه الحالات في تناغم وانسجام ..
المرض النفسيو يحدث عند اختلال هذه الاحوال وطغيان احداها عن الاخرى .
4- الصحة النفسية هي القدرة على الحب والعمل (اي حب الفرد
لنفسه وللآخرين على ان يعمل عملا بناء يستمد منه البقاء لنفسه وللآخرين )
المرض النفسي هو كراهية النفس والآخرين والعجز عن الانجاز والركود
ورغبة في الوصول الى الموت..
5- ومن العلماء من اعتبر ان المرض النفسي هو عدم التوافق الداخلي ،
ورأى ان الصحة النفسية هي التوافق الداخلي بين مكونات النفس من جزء فطري
هو الغرائز وجزء مكتسب من البيئة الخارجية وهو الأنا الأعلى ...
وهذا التعريف له اصول اسلامية ...
فالنفس الأمارة بالسو ء = تقابل الغرائز
والنفس اللوامة = تقابل الأنا الأعلى
وحين يتحقق التوازن والتوافق بين النفس الأمارة بالسو ء والنفس اللوامة تتحقق الطمأنينة للانسان
ويوصف بأنه نفس مطمئنة .
ثــالثــاً : من هم المرضى النفسيون ..
هناك عدة طرق ومدارس للإجابة عن هذا السؤال. وقد تكون بعض هذه المدارس أرقى وأفضل من غيرها بالنسبة
لبعض الحالات دون غيرها. فالمرض النفسي يلاحظ عادة من خلال سلوك المصاب، أو دلائل مشاعره وتفكيره، أو في
أسلوب نظرته للعالم من حوله، أو كل هذه الأمور مجتمعة.
وليس لدى الطبيب النفسي وسيلة للدخول إلى عقل المصاب ليؤكد تشخيصه للمرض. ولكن المرض النفسي يتوقع
عادة عندما يختل واحد من ثلاثة جوانب في حياة الإنسان النفسية، وتصبح غير «طبيعية» أو غير «صحية»
وهذه الجوانب هي:
1 ـ التفكير.
2 ـ المشاعر.
3 ـ السلوك.
ويمكن أن نعرّف المرض النفسي بأنه:
«حالة نفسية تصيب تفكير الإنسان أو مشاعره أو حكمه على الأشياء أو سلوكه وتصرفاته إلى حد تستدعي التدخل
لرعاية هذا الإنسان، ومعالجته في سبيل مصلحته الخاصة، أو مصلحة الآخرين من حوله.»
وهناك أمور قد تصيب الإنسان لحد ما دون أن تعتبر علامة لمرض نفسي معين، وإن كان يشير بعضها مجتمعة إلى أن
هذا الإنسان قد يحتاج إلى المساعدة.
ومنها :
1 ـ أن يصيب الشخص تغير عقب حادثة مفجعة لمدة أطول مما يعتبر عادياً.
2 ـ أن يتغير الإنسان في سلوكه أو علاقاته بشكل شديد، أو طويل الأمد مسبباً له معاناة وألماً.
3 ـ تمر بالإنسان مشاعر غير اعتيادية من الصعب عليه أن يعللها أو يفهمها ويجد صعوبة في شرحها للآخرين.
4 ـ حدوث تغيير في الإنسان بحيث يحدث اضطرابات لديه، أو معاناه الآخرين من حوله.
5 ـ حدوث تغيير في الإنسان من الصعب ربطه أو فهمه في ضوء الأحداث الجارية من حوله.
6 ـ حدوث صعوبات في إقامة علاقة طبيعية مع الآخرين، وفي الإستمرار في هذه العلاقات.
وهناك قلة من الناس لا يعتقدون مطلقاً بمفهوم المرض النفسي ولا يرون أن مظاهر اضطراب المصابين
علامات «لمرض»، وإنما هي أساليب متوقعة لسلوك بعض الناس في صراعهم مع ظروف معيشية وحياتية معينة.
رابعــاً :مدى أنتشار الأمراض النفسيه..
كثير منا يظن أن الأمراض النفسيه تصيب القله فقط في المجتمع هم من نصفهم بالجنون أو من هم مختلون عقليا
وغير قادرين على سيةالأدراك و هذا أبعد ما يكون عن الحقيقه.
هناك أيضا ظن شائع أن سكان المدن هم فقط الذين يعانون من هذه الأمراض أما سكان الريف فطبيعة حياتهم
تحميهم من الأصابة بالأمراض النفسيه. و ليس هذه حقيقه فأن سكان الريف معرضون للأصابة بالأمراض النفسيه
مثل سكان المدن تماما وأن كانت نسبة الأصابه قد تقل قليلا عن سكان المدن. فأن حياة الريف ليست خالية من
الضغوط والضغوط وأحداث الحياة المؤلمه ليست قاصره على سكان المدن. كما أن العوامل الوراثيه والبيولوجيه
موجوده في كل من الريف والمدينه.
تختلف الأحصائيات بعض الشىء في حساب أحتمال أصابه الفرد بمرض نفسي يحتاج للعلاج في مدى حياته.
ويمكن القول أن على الأقل واحد من كل خمسة أشخاص سوف يعاني من مرض نفسي يستوجب العلاج في فترة
ما من حياته. أي 20 % . وليست هذه نسبه صغيره على الأطلاق.
وأذا أخذنا عينه عشوائيه من الاشخاص في المدن أو الريف فسون نجد أن 10-12 % منهم على الأقل يعانون
أمراضا نفسية في حاجه للعلاج,
أذا فالأمراض النفسيه مشكله كبيره وشائعه جدا في المجتمع ولا يجب تجاهلها لأنها تؤثر على كل أوجه الحياه
للمريض الشخصيه والزوجيه والمهنية أو المهنيه والدراسيه والأجتماعيه كما تؤثر على صحته العامه.
في أثناء المرض النفسي لا يستطيع المريض القيام بواجباته كاملة في العمل أو أن يتفاعل بصوره طبيعيه مع
الناس والأسره والأقارب مما يؤدي ألى مشاكل كثيره في كل أوجه حياته. وهذه المشاكل لها رد فعلها على
المريض بأن تخلق ضغوطا عليه تؤدي لأشتداد المرض. هكذا يصبح المرض النفسي مثل الكره الثلجيه أذا تدحرجت
من أعلى جبل ثليج فتكبر كلما تدحرجت الى سفح الجبل فتصبح الكره الثلجيه الصغيره هائلة الحجم. فلأمراض
النفسيه تتأثر بالمشاكل والضغوط التي نتجت عن المرض نفسه فتساعد على أستمراره وأشتداده.
خامســاً: طرق الوقاية من الأمراض النفسية..
من أهم الوسائل لتجنب الأمراض النفسية والوقاية منها:
1- تجنب الأفكار والتصرفات التى تؤدي للشعور بالإثم.
2- عدم الإمعان في توقيع العقوبات من نفسية وجسدية بسبب تخيل أو حدوث أخطار واقعية أم وهمية يرتكبها الفرد.
3- التقليل من ضخامة ما يتصورة الشخص والابتعاد عن الحساسية الشديدة.
4- الابتعاد عن الخجل وعدم التردد في مقابلة ومخاطبة الآخرين والتحدث اليهم
وتوجيه ما يجول بالخاطر من أسئلة واستفهامات.
5- الاعتداد بالنفس والثقة بها والتمسك بالرأي طالما كان الشخص على حق
وعدم الاستسلام تصاغرا أو خشية من الآخرين.
6- الاستقلال الذاتي وعدم السماح للآخرين بمعاملة الشخص كالآلة يحركها في يده كما يريد.
7- عدم الظهور بمظهر غير طبيعي أمام الآخرين والعمل على خدمتهم.
8-العيش بواقعية والابتعاد عن أحلام اليقضة وعالم الخيال.
9- الاخلاد للراحة والاسترخاء من وقت لآخر.
10- عدم الافراط في التدخين وتناول القهوة.
11- تنظيم الحياة اليومية والنوم لوقت كاف لا يقل عن 8 ساعات للشخص البالغ يوميا.
12- مشاركة الآخرين وخاصة الأصدقاء المتفهمين في حل المشاكل والمخاوف وتجنب الوحدة.
13- ضرورة التمسك بالإيمان والقيم الدينية والاجتماعية.
14- الابتعاد عن الأعمال الشاقة والمجهودات البدنية والأعمال العنيفة.
15- الحفاظ على الصحة البدنية عملا بحكمة العقل السليم في الجسم السليم.
16- الابتعاد عن مسببات الخوف والقلق والأرق والملل.
17-الحرص على التنويع والتشويق في التصرفات والحيات اليومية وممارسة كافة النشاطات والهوايات المحببة للنفس.